فصل: تفسير الآية رقم (127):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (125):

{قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125)}
{قَالُواْ إِنَّا إلى رَبّنَا مُنقَلِبُونَ} بالموت لا محالة فلا نبالي بوعيدك، أو إنا منقلبون إلى ربنا وثوابه إن فعلت بنا ذلك، كأنهم استطابوه شغفاً على لقاء الله، أو مصيرنا ومصيرك إلى ربنا فيحكم بيننا.

.تفسير الآية رقم (126):

{وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)}
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّا} وما تنكر منا. {إِلا أَنْ ءامَنَّا بئايات رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا} وهو خير الأعمال وأصل المناقب ليس مما يتأتى لنا العدول عنه طلباً لمرضاتك، ثم فزعوا إلى الله سبحانه وتعالى فقالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} أفض علينا صبراً يغمرنا كما يفرغ الماء، أو صب علينا ما يطهرنا من الآثام وهو الصبر على وعيد فرعون. {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} ثابتين على الإِسلام. قيل إنه فعل بهم ما أوعدهم به. وقيل إنه لم يقدر عليهم لقوله تعالى: {أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون}

.تفسير الآية رقم (127):

{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)}
{وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ في الأرض} بتغيير الناس عليك ودعوتهم إلى مخالفتك. {وَيَذَرَكَ} عطف على يفسدوا، أو جواب الاستفهام بالواو كقول الحطيئة:
أَلَمْ أَكُ جَارَكُم وَيَكُونُ بَيْني ** وَبَيْنَكُمْ المَوَدَّةُ وَالإِخَاءُ

على معنى أيكون منك ترك موسى ويكون منه تركه إياك. وقرئ بالرفع على أنه عطف على أتذر أو استئناف أو حال. وقرئ بالسكون كأنه قيل: يفسدوا ويذرك كقوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن} {وَءالِهَتَكَ} معبوداتك قيل كان يعبد الكواكب. وقيل صنع لقومه أصناماً وأمرهم أن يعبدوها تقرباً إليه ولذلك قال: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} وقرئ: {إلا هتك} أي عبادتك. {قَالَ} فرعون {سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِى نِسَاءهُمْ} كما كنا نفعل من قبل ليعلم أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبة، ولا يتوهم أنه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده. وقرأ ابن كثير ونافع {سنقتل} بالتخفيف. {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهرون} غالبون وهم مقهورون تحت أيدينا.

.تفسير الآية رقم (128):

{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)}
{قَالَ موسى لِقَوْمِهِ استعينوا بالله واصبروا} لما سمعوا قول فرعون وتضجروا منه تسكيناً لهم. {إِنَّ الأرض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} تسلية لهم وتقرير للأمر بالاستعانة بالله والتثبت في الأمر. {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} وعد لهم بالنصرة وتذكير لما وعدهم من إهلاك القبط وتوريثهم ديارهم وتحقيق له. وقرئ و{العاقبة} بالنصب عطف على اسم إن واللام في {الأرض} تحتمل العهد والجنس.

.تفسير الآية رقم (129):

{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}
{قَالُواْ} أي بنو إسرائيل. {أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا} بالرسالة بقتل الأبناء {وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} بإعادته. {قَالَ عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ في الأرض} تصريحاً لما كنى عنه أولاً لما رأى أنهم لم يتسلوا بذلك، ولعله أتى بفعل الطمع لعدم جزمه بأنهم المستخلفون بأعيانهم أو أولادهم. وقد روي أن مصر إنما فتح لهم في زمن داود عليه السلام. {فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فيرى ما تعملون من شكر وكفران وطاعة وعصيان فيجازيكم على حسب ما يوجد منكم.

.تفسير الآية رقم (130):

{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بالسنين} بالجدوب لقلة الأمطار والمياه، والسنة غلبت على عام القحط لكثرة ما يذكر عنه ويؤرخ به، ثم اشتق منها فقيل أسنت القوم إذا قحطوا. {وَنَقْصٍ مّن الثمرات} بكثرة العاهات. {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} لكي يتنبهوا على أن ذلك بشؤم كفرهم ومعاصيهم فيتعظوا، أو ترق قلوبهم بالشدائد فيفزعوا إلى الله ويرغبوا فيما عنده.

.تفسير الآية رقم (131):

{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)}
{فَإِذَا جَاءتْهُمُ الحسنة} من الخصب والسعة. {قَالُواْ لَنَا هذه} لأجلنا ونحن مستحقوها. {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ} جدب وبلاء. {يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ} يتشاءموا بهم ويقولوا: ما أصابتنا إلا بشؤمهم، وهذا إغراق في وصفهم بالغباوة والقساوة، فإن الشدائد ترقق القلوب وتذلل العرائك وتزيل التماسك سيما بعد مشاهدة الآيات، وهم لم تؤثر فيهم بل زادوا عندها عتواً وانهماكاً في الغي، وإنما عرف الحسنة وذكرها مع أداة التحقيق لكثرة وقوعها، وتعلق الإرادة بإحداثها بالذات ونكر السيئة، وأتى بها مع حرف الشك لندورها وعدم القصد لها إلا بالتبع. {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله} أي سبب خيرهم وشرهم عنده وهو حكمته ومشيئته، أو سبب شؤمهم عند الله وهو أعمالهم المكتوبة عنده، فإنها التي ساقت إليهم ما يسوؤهم. وقرئ: {إنما طيرهم} وهو اسم الجمع وقيل هو جمع. {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن ما يصيبهم من الله تعالى أو من شؤم أعمالهم.

.تفسير الآية رقم (132):

{وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)}
{وَقَالُواْ مَهْمَا} أصلها ما الشرطية ضمت إليها ما المزيدة للتأكيد، ثم قلبت ألفها هاء استثقالاً للتكرير. وقيل مركبة من مه الذي يصوت به الكاف وما الجزائية ومحلها الرفع على الابتداء أو النصب بفعل يفسره. {تَأْتِنَا بِهِ} أي أيما شيء تحضرنا تأتنا به. {مّنْ ءايَةٍ} بيان لمهما، وإنما سموها آية على زعم موسى لا لاعتقادهم ولذلك قالوا: {لّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} أي لتسحر بها أعيننا وتشبه علينا، والضمير في به وبها لمهما ذكره قبل التبيين باعتبار اللفظ وأنثه بعده باعتبار المعنى.

.تفسير الآية رقم (133):

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)}
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان} ماء طاف بهم وغشي أماكنهم وحروثهم من مطر أو سيل. وقيل الجدري. وقيل الموتان. وقيل الطاعون. {والجراد والقمل} قيل هو كبار القردان، وقيل أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها. {والضفادع والدم} روي: أنهم مطروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يقدر أحد أن يخرج من بيته، ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه إلى تراقيهم، وكانت بيوت بني إسرائيل مشتبكة ببيوتهم فلم يدخل فيها قطرة، وركد على أراضيهم فمنعهم من الحرث والتصرف فيها، ودام ذلك عليهم أسبوعاً فقالوا لموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك، فدعا الله فكشف عنهم ونبت لهم من الكلأ والزرع ما لم يعهد مثله ولم يؤمنوا، فبعث الله عليهم الجراد فأكلت زروعهم وثمارهم، ثم أخذت تأكل الأبواب والسقوف والثياب ففزعوا إليه ثانياً فدعا وخرج إلى الصحراء، وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت إلى النواحي التي جاءت منها فلم يؤمنوا، فسلط الله عليهم القمل فأكل ما أبقاه الجراد وكان يقع في أطعمتهم ويدخل بين أثوابهم وجلودهم فيمصها، ففزعوا إليه فرفع عنهم فقالوا: قد تحققنا الآن أنك ساحر، ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوب ولا طعام إلا وجدت فيه، وكانت تمتلئ منها مضاجعهم وتثب إلى قدورهم وهي تغلي، وأفواههم عند التكلم ففزعوا إليه وتضرعوا، فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف الله عنهم ثم نقضوا العهود، ثم أرسل عليهم الدم فصارت مياههم دماً حتى كان يجتمع القبطي مع الإسرائيلي على إناء فيكون ما يلي القبطي دماً وما يلي الإسرائيلي ماء، ويمص الماء من فم الإِسرائيلي فيصير دماً في فيه. وقيل سلط الله عليهم الرعاف. {ءايات} نصب على الحال. {مّفَصَّلاَتٍ} مبينات لا تشكل على عاقل أنها آيات الله ونقمته عليهم، أو مفصلات لامتحان أحوالهم إذ كان بين كل اثنتين منها شهر وكان امتداد كل واحدة أسبوعاً، وقيل إن موسى لبث فيهم بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل. {فاستكبروا} عن الإِيمان. {وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ}.

.تفسير الآية رقم (134):

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134)}
{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز} يعني العذاب المفصل، أو الطاعون الذي أرسله الله عليهم بعد ذلك. {قَالُواْ يَا موسىدع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} بعهده عندك وهو النبوة، أو بالذي عهده إليك أن تدعوه به فيجيبك كما أجابك في آياتك، وهو صلة لادع أو حال من الضمير فيه بمعنى ادع الله متوسلاً إليه بما عهد عنك، أو متعلق بفعل محذوف دل عليه التماسهم مثل اسعفنا إلى ما نطلب منك بحق ما عهد عندك أو قسم مجاب بقوله: {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِى إسراءيل} أي أقسمنا بعهد الله عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن ولنرسلن.

.تفسير الآية رقم (135):

{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)}
{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرجز إلى أَجَلٍ هُم بالغوه} إلى حد من الزمان هم بالغوه فمعذبون فيه أو مهلكون، وهو وقت الغرق أو الموت. وقيل إلى أجل عينوه لإِيمانهم. {إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} جواب لما أي فلما كشفنا عنهم فاجؤوا النكث من غير تأمل وتوقف فيه.

.تفسير الآية رقم (136):

{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)}
{فانتقمنا مِنْهُمْ} فأردنا الانتقام منهم. {فأغرقناهم فِي اليم} أي البحر الذي لا يدرك قعره. وقيل لجته. {بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} أي كان إغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات وعدم فكرهم فيها حتى صاروا كالغافلين عنها. وقيل الضمير للنقمة المدلول عليها بقوله: {فانتقمنا مِنْهُمْ}.

.تفسير الآيات (137- 140):

{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)}
{وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ} بالاستبعاد وذبح الأبناء من مستضعفيهم. {مشارق الأرض ومغاربها} يعني أرض الشام ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا في نواحيها. {التى بَارَكْنَا فِيهَا} بالخصب وسعة العيش. {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ الحسنى على بَنِى إِسْرءيلَ} ومضت عليهم واتصلت بالانجاز عدته إياهم بالنصرة والتمكين وهو قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ} إلى قوله: {مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} وقرئ: {كلمات ربك} لتعدد المواعيد {بِمَا صَبَرُواْ} بسبب صبرهم على الشدائد. {وَدَمَّرْنَا} وخربنا. {مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} من القصور والعمارات. {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} من الجنات أو ما كانوا يرفعون من البنيان كصرح هامان وقرأ ابن عامر وأبو بكر هنا وفي (النحل) {يَعْرِشُونَ} بالضم. وهذا آخر قصة فرعون وقومه.
وقوله: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إسراءيل البحر} وَمَا بعده ذكر ما أحدثه بنو إسرائيل من الأمور الشنيعة بعد أن مَنَّ الله عليهم بالنعم الجسام، وأراهم من الآيات العظام تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما رأى منهم، وإيقاظاً للمؤمنين حتى لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة أحوالهم. روي: أن موسى عليه الصلاة والسلام عبر بهم يوم عاشوراء بعد مهلك فرعون وقومه فصاموه شكراً. {فَأَتَوْاْ على قَوْمٍ} فمروا عليهم. {يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ} يقيمون على عبادتها، قيل كانت تماثيل بقر وذلك أول شأن العجل، والقوم كانوا من العمالقة الذين أمر موسى بقتالهم. وقيل من لخم، وقرأ حمزة والكسائي {يعكفون} بالكسر. {قَالُواْ يَا موسى اجعل لَّنَا إلها} مثالاً نعبده. {كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ} يعبدونها، وما كافة للكاف. {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} وصفهم بالجهل المطلق وأكده لبعد ما صدر عنهم بعد ما رأوا من الآيات الكبرى عن العقل.
{إِنَّ هَؤُلآء} إشارة إلى القوم. {مُتَبَّرٌ} مكسر مدمر. {مَّا هُمْ فِيهِ} يعني أن الله يهدم دينهم الذي هم عليه ويحطم أصنامهم ويجعلها رضاضاً {وباطل} مضمحل. {مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من عبادتها وإن قصدوا بها التقرب إلى الله تعالى، وإنما بالغ في هذا الكلام بإيقاع {هَؤُلاء} اسم {إن} والإِخبار عما هم فيه بالتبار وعما فعلوا بالبطلان، وتقديم الخبرين في الجملتين الواقعتين خبراً لأن للتنبيه على أن الدمار لاحق لما هم فيه لا محالة، وأن الإِحباط الكلي لازب لما مضى عنهم تنفيراً وتحذيراً عما طلبوا.
{قَالَ أَغَيْرَ الله أَبْغِيكُمْ إلها} أطلب لكم معبوداً. {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى العالمين} والحال أنه خصكم بنعم لم يعطها غيركم، وفيه تنبيه على سوء معاملتهم حيث قابلوا تخصيص الله إياهم من أمثالهم لما لم يستحقوه تفضلاً بأن قصدوا أن يشركوا به أخس شيء من مخلوقاته.